العراق وسوريا بلا دجلة والفرات : سياسة العطش التركية

·

·


عندما تسمعُ اسمَ العراق، يخطرُ في بالِك تعبيرُ بلادِ الرافدَين. دجلةُ والفراتُ وعظمتُهما  الممتدةُ نحوَ سوريا. 
 
بلادُ ما بين النهرين..  حيثُ المدنُ والحضارةُ تجاورُ المياهَ وتزدهرُ بسببِها. 
 
هذه حقائقُ آيلةٌ للاندثارِ ليحلَّ العطشُ والجفافُ.  
العراقُ وسوريا سيتحوّلان إلى أراضٍ بلا أنهارٍ. المسبباتُ كثيرةٌ، لكن أبرزَها.. السياسةُ التركيةُ. 

فالتدخّلُ التركيُ في شؤونِ البلدينِ لم يقتصرْ على التوغلِ العسكريِ والإجتياحِ التجاريِ، بل تعدّاه إلى قطعِ مياهِ نهرَي دجلةَ والفرات، واستخدامُ المياهِ كسلاحٍ سياسيٍ واقتصاديٍ، والتسببُ بالجفافِ.. 
 
الجفافُ وصولاً إلى حدِّ أنّ مؤشرَ الإجهادِ المائي يُنبئُ بأن العراقَ وسوريا سيصبحانِ بلا أنهارٍ بحلولٍ العام 2040 (ألفينِ وأربعين). ِ 
ما هو دورُ تركيا في تلك الكارثةِ؟ 
 
ينبعُ نهرا دجلةَ والفرات من سلسلةِ جبالِ طوروس في تركيا 
يعبُرُ أحدُهما سوريا ثم يلتقيانِ داخلَ الأراضي العراقيةِ ليشكّلا شطّ العربِ 
الذي يصُبُّ في الخليجِ العربي. 
 
هما أغزرُ أنهارِ غربيّ آسيا ومن أكبرِ أنهارِ العالمِ العربي. 
 
ازدهرت على ضفافِهما الحضاراتُ وسارت خطوطُ التجارةِ، وشكّلا حدودَ الممالكِ والكيانات.. ولا يزالان مسرحاً للمعاركِ.. منذ العصورِ القديمةِ.. 

أقامت تركيا (اثنين وعشرين) 22 سداً فوق مجرى نهر الفرات، والعراقُ (سبعةَ) 7 سدودٍ، وسوريا خمسةَ سدودٍ أكبرُها بحيرةُ الأسد. 
 
ما يحكمُ استثمارَ مياهِ نهرِ الفراتِ بيْن كلٍّ من تركيا والعراق وسوريا هو مجردُ برتوكولٍ لا يرقى إلى مستوى اتفاقية.. 
بروتوكولٌ يُلزم تركيا بالحفاظِ على معدلِ تدفقِ المياهِ الى سوريا بنسبةِ (خمسِمئةِ) 500 م3/ثا. تقاسمت سوريا والعراقُ هذا التدفقَ بنسبة (اثنينِ وأربعين في المئةِ) 42% لسوريا و(ثمانيةٍ وخمسين في المئةِ) 58% للعراق بموجبِ اتفاقيةٍ أخرى موقعة بينهما عام ١٩٨٩ (ألفٍ وتسعِمئةٍ وتسعةٍ وثمانين). 
 
ولتحويلِ مياهِ النهرين من مواردَ طبيعيةٍ مشتركةٍ دولياً إلى سلاحٍ تركي، صاغت أنقرة سياسةَ تعطيشٍ تاريخيةٍ وممنهجةٍ على مدى خمسةِ عقودٍ. 

‏G.A.P، مشروعٌ أطلقته تركيا في سبعينياتِ القرنِ الماضي، وهو أضخمُ مشروعٍ استثماريٍ للمواردِ المائيةِ على ضفافِ دجلة والفرات.
 
 يهدفُ إلى تأمينِ مياهِ الريّ وانتاجِ الطاقةِ لاستصلاحِ مساحةٍ هائلةٍ بحجمِ بلجيكا في منطقةِ الأناضول.. شمل المشروعُ إنشاء (تسعَ عشرةَ) 19 محطةً كهرومائيةً.. (أربع عشرة) 14 منها على نهرِ الفرات! 
 
في الثمانينياتِ بدأت تركيا ببناءِ سدِّ أتاتورك، أحدِ أضخم السدودِ في العالم. 

ومع الاجتياحِ العراقي للكويت، ارتفعت أسعارُ النفطِ العالميةِ. 
تضررت تركيا لاعتمادِها على النفطِ العراقي، ما دفعَ برئيسِ وزرائِها تورغوت أوزال للمطالبةِ بتوفيرِ النفط لبلادِه، بحجةِ تزويدِ سوريا والعراق بمياهِ نهري دجلة والفرات. 
 
عامَ (ألفٍ وتسعِمئةٍ وتسعين) 1990 حجبت تركيا مياهَ الفراتِ عن جارتيها، واستخدمتها لملءِ بحيرةِ سدّ أتاتورك الهائلةِ. أصيبت سوريا حينها بجفافٍ شديدٍ، من دون أن تأبهَ أنقرة. عاد أوزال الذي أصبحَ رئيساً للبلاد ليقولَ: “الفراتُ نهرٌ تركيٌ لا ينبغي تقاسمُه مع أحدٍ”. 

سليمان ديميريل، خلَفُ أوزال في الرئاسةِ، حسم النوايا: “نسعى للوصولِ إلى معادلةِ النفطِ مقابلَ المياهِ”، معتبراً نهرَي دجلة والفرات سلعةً تركيةً بحتةً. 

 حجبُ المياهِ لم يكن ورقةً اقتصاديةً تركيةً فحسب، بل سياسيةٌ أيضاً // استخدمتها اقرة للتضييقِ على الرئيسِ السوري السابقِ حافظ الأسد الذي اتهمته بايواءِ عبدالله اوجلان زعيمِ حزبِ العمالِ الكردستاني المعارضِ لها. 
 
أزمةُ جفافٍ أخرى حصلت عامَ (ألفينِ ةأربعةَ عشر) 2014 بعدما حدّت تركيا تدريجياً من تدفقِ مياهِ الفرات، ما أدى لانخفاضٍ كبيرٍ في مستوى بحيرةِ الأسد.. خرجت خمسُ محطاتٍ كهرومائيةٍ سوريةٍ عن الخدمةِ من أصل ثماني محطاتٍ.. 
 
مطلعَ عامِ (ألفينِ وثمانيةَ عشر) 2018، أطلق الجيشُ التركيُ عمليةً عسكريةً في الشمالِ السوري أسماها أردوغان عمليةَ “غصن الزيتون” مستنداً لدعمِ الفصائلِ السوريةِ المعارضةِ. أولى خطواتِ تلك العمليةِ كانت السيطرةَ على مدينةِ جرابلس الحدوديةِ.. وللمفارقةِ، هذه المدينةُ هي مدخلُ نهرِ الفراتِ من تركيا إلى سوريا. 
 
مجدداً، عامَ (الفينِ وواحٍ وعشرين) 2021، خففت تركيا تدفقَ النهرينِ إلى سوريا والعراق. هدّدت الخطوةُ حياةَ (إثني عشر) 12 مليونَ مواطنٍ وعطّلت معاملَ كهرباءٍ في البلدين. والأخطرُ! كان تسجيلَ معدلاتِ تلوّثٍ قياسيةٍ هدّدت الإنتاجَ الزراعي السوري والعراقي. 
 
منذ الثمانينيات، تُراجع سوريا الأممَ المتحدة وتتهمُ تركيا بالتضييقِ والابتزازِ، وإلى اليوم تتعرضُ تركيا لمسائلاتٍ دوليةٍ، آخرُها بشأنِ الإعتداءِ على محطةِ علوك المائية في محافظةِ الحسكةِ السورية.. أنقرة لا زالت تنفي وتطالبُ بضرورةِ منعِ النظامِ السوري من استخدامِ المياهِ كسلاحٍ ضد المواطنين السوريين. 
 
أما العراقُ، فمنذ السبعينيات وحتى اليوم، تبدو مراجعاتُه خجولةً. فيما تماطلُ أنقرة وتتهربُ من المسؤوليةِ بذريعةِ عدمِ ترسيمِ الحدودِ المشتركةِ. 
 
اجراءاتُ الأممِ المتحدةِ لا تتعدى دائرةَ المواقفِ المستنكرةِ لانتهاكِ تركيا قانونَ المياهِ والأنهارِ العالمي وحجبِ مياه النهرين 

السياسةُ التركيةُ تجاهَ سوريا والعراق تعبّرُ عن سلوكٍ عدائيٍ ضد سكانِ البلدين المهدّدين بالجفاف.

سلوكٌ تركيٌ في الشمالِ السوري.. تقابلًه في الجنوبِ مشاريعُ إسرائيليةٌ بالجملةِ لتثبيتِ السيطرةِ على مياه الجولانِ المحتل!  

اشتركوا في قناتنا على يوتيوب لمتابعة كل جديد.

لمتابعة صفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي:

فايسبوك: https://www.facebook.com/people/Arab-I/100089569093587/

انستغرام: https://www.instagram.com/arab_i_me/

تويتر: https://twitter.com/arab_i_me

تيك توك: https://www.tiktok.com/@arab_i_me

تلغرام: https://t.me/Arab_I_me


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *