في قلبِ عواصفَ اجتماعيةٍ وسياسيةٍ.. ومؤخراً اقتصاديةٍ طاحنةٍ.. تحاولُ الدولةُ المصريةُ جاهدةً إيجادَ حلولٍ للخروجِ من أزماتِها وبالرغمِ من محاولاتٍ مصريةٍ عديدةٍ للنهوضِ عبر مشروعاتٍ اقتصاديةٍ عِملاقةٍ مثلَ قناةِ السويس الجديدةِ… العاصمةِ الإداريةِ.. تطويرِ البنيةِ التحتيةِ.. إلا أنَّ الأزمةَ الاقتصاديةَ لا تزالُ مستمرةً.. بل وتتجه مؤشِّراتُها نحوَ التفاقمِ.. من بينِ الحلولِ التي وضعتْها مصرُ مؤخراً على قائمةِ «مصادرِ التنميةِ» كان «الكنزُ» القابعُ أسفلَ تربتِها.. والذي تمتلكُ أكبرَ احتياطيٍّ منه في العالمِ.
حلٌّ سحريٌّ.. قد يضعُها في مصافِّ الدولِ الناجحةِ اقتصادياً..
(الرمالُ السوداءُ).. التي قد تنقذُ مصرَ من ركودِها الاقتصادي
(الرمالُ السوداءُ) هي نوعٌ من الرمالِ التي تنتشرُ بشكلٍ طبيعيٍّ بينَ طَبَقاتِ التربةِ..
رمالٌ غنيةٌ بعناصرَ هامةٍ.. تُستخرَجُ منها موادُّ ومعادنُ ثقيلةٌ تدخلُ في صناعاتٍ مختلفةٍ كموادِّ التجميلِ وصناعاتِ السيراميك والعوازلِ الحراريةِ والدَّهاناتِ والمطاطِ وغيرِها… إضافةً إلى معادنَ تُستَعمَلُ في المُفاعلاتِ النوويةِ لإنتاجِ الطاقةِ.
وعلى سبيل الثمال، تُستَخدَم مادة الإلمانايت (ilmenite) المستخرجُة من الرمالِ السوداءِ في إنتاجِ التايتانيوم (titanium) الإسفنجي الذي يدخلُ في الصناعاتِ المتقدِّمةِ وتغليفِ أنابيبِ البترولِ، وفي ألواحِ أجسامِ الطائراتِ والصواريخِ والغواصاتِ وغيرِها من الصناعاتِ الاستراتيجيةِ الثقيلةِ.
ينتشرُ احتياطيُّ مصرَ من الرمالِ السوداءِ في 11 (أحد عشرَ) موقعاً في دلتا مصر، تحتوي هذه المواقعُ على (مليارٍ وثلاثِمئةِ مليونِ) 1.3 مليار مترٍ مُكعَبٍ من الرمالِ السوداءِ.. تشكِّلُ أكبرَ احتياطيٍّ عالميٍّ مكتشفٍ للرمالِ السوداءِ حتى الآن.
وتقدِّرُ بعضُ المصادرِ قيمتَه التقريبيةَ برقَمٍ مخيفٍ: حوالي (ستةَ عشرَ) 16 تریلیونَ دولار!
وقدَّرتِ الحكومةُ المصريةُ قيمةَ الأرباحِ من مشروعٍ واحدٍ منها بـ (ستّةِ) 6 ملياراتِ دولار فلماذا لم يُستغل هذا الكنزُ الكبيرُ سابقاً؟
لم تبدأ قصةُ الرمالِ السوداءِ في مصرَ حديثاً.. بل منذُ زمنٍ طويلٍ.. قبلَ ثورةِ يوليو (ألفٍ وتسعِمئةٍ واثنينِ وخمسين) 1952 .. كان مشروعُ التنقيبِ عن الرمالِ السوداءِ مملوكاً لرجلِ أعمالٍ يونانيٍّ.. قبلَ أن يُؤمَّمَ بعدَ الثورةِ. لكنَّ الدولةَ تعثّرت في إدارةِ المشروعِ.. وأحالتْه إلى «هيئةِ الموادَّ النوويةِ» في أواخرِ الخمسينياتِ.. وأخفقت محاولاتٌ جديدةٌ للاستفادةِ من الرمالِ السوداءِ في عهد الرئيسين السادات ومبارك.
ومرّ المشروعُ بمراحلَ من التعثرِ على مدى عقودٍـ، بسببِ: ارتفاعِ تكلفةِ العملِ عليه بشكلٍ لائقٍ.. وفشلِ الشراكاتِ الأجنبيةِ مع الدولةِ المصريةِ.. وبيروقراطيةِ الأجهزةِ الحكوميةِ.
وفشلت محاولاتٌ عديدةٌ لإعادةِ إحياءِ «الرمالِ السوداءِ» كمصدَرِ دخلٍ كبيرٍ للدولةِ في أعقابِ ثورة يناير عامَ (ألفينِ وأحدَ عشرَ) 2011.
وبحسبِ الصحفِ المصريةِ.. تعرّضَ احتياطيُّ الرمالِ السوداءِ في كفر الشيخ وبلطيم والبرلس لنهبٍ مستمرٍ والتهريبِ بأثمانٍ بخسةٍ. ولكن، مع الاتجاهِ النشطِ للدولةِ المصريةِ في الأعوامِ الخمسةِ الأخيرةِ..
وجّه الرئيسُ المصريُّ عبدالفتاح السيسي بالاهتمام الإعلامي بـ «الرمالِ السوداءِ» وأهميتها.. وبدأت الدولةُ المصريةُ تركيزَ جهودِها على هذه الزاويةِ المهملةِ من ثرواتِ مصر.
عامَ (ألفينِ وثمانيةَ عشر) 2018 أسندت الدولةُ إلى جهازِ مشروعاتِ الخدمةِ الوطنيةِ التابعِ للقواتِ المسلحةِ المصريةِ ملف شراكةٍ مع الشركةِ المصريةِ الحكومية للرمالِ السوداءِ.
وبرز اسمُ شركةِ «وليوان مينرالز» الصينيةِ لتطويرِ تفاصيلِ الشراكةِ.. وتدريبِ كوادرَ مصريةٍ على الاستفادةِ القصوى من استخراجِ الرمالِ السوداءِ.. نظراً إلى هيمنةِ الصين على تقنياتِ قطاعِ تعدينِ التربةِ في العالمِ بنسبةِ (تسعينَ في المئة) 90% تقريباً.
وتمتِ الاستعانةُ بأحدِ “الكراكاتِ” العملاقةِ الهولنديةِ الصنعِ، المخصصةِ للتنقيبِ عن الرمالِ السوداءِ واستخراجِها.
وأُنشِئَ مصنعانِ في البرلس وبلطيم لمعالجةِ الرمالِ السوداءِ واستخلاصِ المعادنِ والموادَّ المفيدةِ منها، بدلاً من تصديرِها بشكلِها الخام وهو ما يفتحُ البابَ أمامَ إنتاجٍ محليٍّ ضخمٍ قد يصلُ إلى (ثلاثِمئةِ) 300 مليارِ دولارٍ بشكل أوليّ،كما يَعِدُ بتنشيطِ قطاعَي الصناعةِ والتجارةِ بين مصرَ وبقيةِ دولِ العالمِ، وهو ما ينتظرُهُ المصريونَ بأملٍ كبيرٍ لدفعِ عَجَلةِ الاقتصادِ الراكدِ.. وتقليلِ نِسَبِ التضخُّمِ الذي ضرب مصرَ بشكلٍ كبيرٍ في العامَيْن الماضيَيْن.
فهل سيكونُ حلُّ الرمالِ السوداءِ مُسَكِّناً حكومياً جديداً لأوجاعِ المصريين، أَمْ مصدراً حقيقياً جديداً للنهضةِ المصريةِ؟
العراق #البصرة #دراجات #ديليفري #عامل_توصيل #arab_i اشتركوا في قناتنا على يوتيوب لمتابعة كل جديد على…
اترك تعليقاً